لم يكن مالك بالذي يهاب الخلفاء هيبة تمنعه من الجهر بنصيحتهم، أو بالذي يحمله الطمع على تملقهم.
دخل يوماً على الرشيد، فحثه على مصالح المسلمين، وقال له: لقد بلغني أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان في فضله وقَدَمه ينفخ لهم عام الرمادة النار تحت القدور حتى يخرج الدخان من تحت لحيته، وقد رضي الناس منكم بدون هذا.
ولأنه يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجالس الأمراء لم يبال الدخول عليهم، وروي أنه قيل له: إنك تدخل على السلطان، وهم يظلمون ويجورون! فقال: يرحمك الله، فأين يكون الكلام بالحق؟.
وناظره الخليفة أبو جعفر المنصور في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورفع صوته؛ فقال له مالك: يا أمير المؤمنين! لا ترفع صوتك في هذا المسجد؛ فإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- أدب قوماً فقال:{لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}[الحجرات: ٢]، ومدح أقواماً فقال:{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}[الحجرات: ٣].
* اعتزازه بمقامه العلمي في مجالسهم:
كان مالك متواضعاً، ولكنه يقدر مكانته العلمية، ويصون كرامتها، ويحوطها بالعزة من كل جانب.
قدم الخليفة المهديُّ المدينة، فاقبل الناس عليه مسلِّمين، فلما أخذوا مجالسهم، جاء مالك، فقالوا: اليوم يجلس مالك آخر الناس، فلما دنا، ونظر ازدحام الناس، وقف، وقال: يا أمير المؤمنين! أين يجلس شيخك مالك؟