فناداه المهدي: عندي يا أبا عبد الله، فتخطى الناس حتى وصل إليه، فرفع المهدي ركبته اليمنى، وأجلسه بجنبه.
وإذا كان يقبل عطايا الملوك، فلأنه يستعين بها في سبيل بث العلم، دون أن يكون لها أثر في تملقهم، أو الإغضاء عن أهوائهم.
لما حجَّ هارون الرشيد، وقدم المدينة، بعث إلى مالك بكيس فيه خمس مئة دينار، ورحل إلى مكة لقضاء نسكه، ولما عاد إلى المدينة، بعث إلى مالك يطلب منه الانتقال معه إلى بغداد، فقال مالك للرسول: قل له: إن الكيس بخاتمه، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون"، وقال له الرشيد: تأتينا حتى نتعلم عليك، ونسمع منك، فقال له: العلم يُؤتى ولا يأتي، قال: نأتي، وتمنع الناس حتى ننصرف، قال: إذا منع العلم من العامة، لم ينفع الله به الخاصة ولا العامة، فذهب الرشيد إلى منزل مالك، وتعلم منه، وسمع عليه، وكان القارئ له معن بن عيسى القزاز.
وسئل عيسى بن عمر المدني: أكان مالك يغشى الأمراء؟ قال: لا، إلا أن يبعثوا إليه فيأتيهم.
ودخل مرة على هارون الرشيد، وبين يديه شطرنج منصوب، وهو ينظر فيه، فوقف مالك ولم يجلس، وقال: أحق هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، قال: فماذا بعد الحق إلا الضلال؟! فرفع هارون رقعته، وقال: لا ينصب بين يدي بعدُ.
وقال: والله! ما دخلت على أحد منهم - يعني: السلطان - إلا أذهب الله هيبته من قلبي حتى أقول له الحق.