في كتاب "المنقذ": أنه أنكر على الحارث المحاسبي تصنيفه في الرد على المعتزلة، فقال الحارث: الرد على البدعة فرض، فقال أحمد: نعم، ولكن حكيتَ شبهتهم أولًا، ثم أجبتَ عنها، فلا يؤمن أن يطالع الشبهة من تعلق بفهمه، ولا يلتفت إلى الجواب، أو ينظر إلى الجواب، ولا يفهم كنهه. قال الغزالي: وما ذكره أحمد حق، ولكن في شبهة لم تنتشر ولم تشتهر، أما إذا انتشرت، فالجواب عنها واجب، ولا يمكن الجواب إلا بعد الحكاية.
كان أهل السنَّة من ناحية التفقه في الدين وتقرير أصول الأحكام يبسطون القول إلى أبعد غاية، أما موقفهم أمام الفرق التي تتكلم في العقائد، وما يتصل بها، فيشبه موقف من يستخف بقوة خصومه، فلا يعد لهم ما استطاع من قوة، أو لا يعمل في دفاعهم ما لديه من سلاخ، حتى يجوسوا خلال أرضه، وينقصوها من أطرافها.
سادت في القرن الثالث الآراء المخالفة لمذهب السلف، حتى ظهر أبو الحسن الأشعري، فأحسن التعبير عن مذهب أهل السنّة، وانقلب علم الكلام إلى هيئة غير هيئته التي خلعها عليه المعتزلة والمرجئة والمشبهة والقدرية، والذي يستطيع أن يجاهد، فيقلب أمماً كثيرة من وجهة إلى أخرى، جدير بأن يعدّ في أعاظم الرجال، فإذا عرضنا عليك صحيفة من حياة أبي الحسن الأشعري، فإنما نعرض عليك شيئاً من سيرة رجل كان له في إصلاح النفوس وتقويم العقول جهاد أي جهاد.
* نسب أبي الحسن الأشعري ومولده:
هو علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛