للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للعبد، أما معتزلة بغداد، فيذهبون في تفسير الأصلح الذي يجب على الله مراعاته إلى معنى: الأوفق في الحكمة والتدبير، وليس هذا المذهب بموضع المناظرة السالفة؛ لأن الحكمة لا تتبع جلب المنفعة، أو درء المفسدة الشخصية، وإنما تقوم على ما يقتضيه حسن النظام العام للخليقة.

* أخلاقه وتقواه:

كان في أبي الحسن دعابة، وكان له مع هذه الدعابة غيرة على الحق حامية، وتلك الغيرة هي التي تدفعه إلى مقارعة مخالفيه، غيرَ مبال بما كان لهم من جاه أو رياسة، قال أحد أصحابه: "إنه كان حضر معه مجلسًا في جماعة من المبتدعة، فقام فيه لله مقاماً حسناً، وكسر حجتهم، فلما خرج، قلت له: جازاك الله خيراً، قال: وما ذاك؟ قلت: لمقامك هذا لله تعالى ونصر دينه، فقال: يا أخي! إنا ابتلينا بأمراء سوء أظهروا بدع المخالفين، ونصرها، فوجب علينا القيام لله، والذبِّ عن دينه حسب الطاقة، فمسألة من معرفة ربك، وما تطيعه به، وتتقرب به إليه، أجدى عليك من هذا".

وهذه القصة تدلك على أنه كان يؤثر الحق على رضا الأمراء، وأنه كان من التواضع بحال من يذكر أن الازدياد من معرفة الله والإقبال على فعل الطاعات يفضل ما كان يشتغل به من مقارعة الابتداع على طريقة علم الكلام.

وفي أبي الحسن خصلة يعز في أهل العلم وجودها، وهي الرجوع عن الرأي عندما يستبين الحق، وشاهد هذا: أنه نفض يده من مذهب الاعتزال علانية عندما استبان أن الحق في جانب أهل السنّة؛ وكان قد صنف في أيام اعتزاله كتاباً كبيراً نصر فيه مذهب المعتزلة، ولما صار إلى مذهب أهل السنّة ألف كتاباً في نقض ذلك الكتاب الذي نصر فيه مذهب الاعتزال؛ وقد يقول