عرف الفقيد بالتؤدة والرصانة، ومن أجلى ما يتمثل فيه هذا الخلق العظيم: أنه كان يحتفظ بالآداب القومية، ويأبى أن يستبد بها آداباً غير شرقية، فما كان ليضع في تاريخ الرسائل إلا الشهر العربي، والسنة الهجرية، ولو كانت الرسائل موجهة إلى شركة أجنبية.
وهذا مثال صغير ينبئكم عما وراءه من الاعتزاز بالقومية، وهل يحتقر الرجل قوميته بأكثر من أن يولع بتقليد قوم آخرين، ويحاكيهم فيما لا مدخل له في علو شأنهم وقوة سلطانهم؟.
ومن الأخلاق الضائعة في الشرق، إلا بين طبقة خاصة من الناس: خصلة القيام على الوعد، وصيانته من الإخلاف، وكان الفقيد يرعى هذه الخصلة حق رعايتها، فإذا قطع وعدًا في أمر جليل أو حقير، وجد في نفسه مذكرًا فطرياً حتى يكون الوعد ناجزاً، ولطول ما صحبناه على هذا الخلق الحازم لم نرتب فيما إذا عين وقتاً للّقاء أن يكون عند الوقت حاضراً.
يرعى الفقيد عهد إخوانه، ويبذل ما استطاع في قضاء ما يهمهم، ولا أنسى أن أمراً اقتضى سفري إلى الإسكندرية، وأشفق - رحمه الله - من أن لا أهتدي طريق الوصول إليه، فأزمع السفر، ولا داعي له إلى هذا السفر إلا عاطفة المودة، وأمتعني بمرافقته ذهاباً وإياباً.
يزن تيمور باشا الرجال كما يزنهم غيره ليعلم أيهم أرجح في الفضل وزنًا، ولكنه لا يضع في جانب ما يفضل به قدر الرجل شيئاً غير العلم وسلامة العقيدة ومكارم الأخلاق، هذا قانون الفضل في رأي الفقيد، واحترامه القلبي والعملي للأشخاص، وإلقاؤه إليهم بالمودة لا يخرج عن حدود هذا القانون.