وإذا كان الحديث بمنزلة القرآن في التشريع، فلا يعدل المجتهد عن العمل بحديث إلا إذا ثبت لديه نسخه، أو ظفر بدليل أرجح منه في السند، أو أقوى في وجه الدلالة، ولهذا قال المالكية: إذا عرض للإِمام حديث، ونص على أنه لم يبلغه، ثم صح عند أهل الصناعة، فإنه يجب على مقلدي الإِمام العمل بالحديث.
قال ابن عبد السلام: وهذا كحديث ابن عباس في "مسلم"، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب، ويقول:"السراويل لمن لم يجد الإزار، والخفّان لمن لم يجد النعلين"، مع قول مالك في "الموطأ": لم يبلغني هذا في السراويل.
ويعدّ المالكية الذين ينظرون في وجه ارتباط الفروع بالمدارك؛ كابن العربي، وعبد الحميد الصائغ، قد يتمسكون بالحديث الصحيح، ولو روى المذهب على خلافه، حيث لم يطلعوا على أصل ظاهر استند له أهل المذهب في ترك العمل بذلك الحديث، وكأنهم اعتصموا في هذا يقول مالك حسبما نقله الحافظ ابن عبد البر وغيره؛ انظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنّة، فخذوا به، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنّة، فاتركوه.
وقد ثبت عن الإِمام أبي حنيفة أيضاً: أنه قال: إذا صحّ الحديث، فهو مذهبي.
اشتهر بين الفقهاء أن مالكاً يقدّم إجماع أهل المدينة على الحديث الصحيح، وأنكره أبو بكر بن العربي، فقال في كتاب "العارضة": من لا تحصيل له من أصحابنا يظن أن مالكاً يقدم عمل أهل المدينة على الحديث، ولم