من القول بغير حجة، أدرك أنهم لا يتواردون على قضية، ويتضافرون على قطع الحكم فيها، إلا بعد النظر الواسع، والاعتماد على دليل واضح.
واجتهادات الآحاد وإن كان كل واحد منها بانفراده ليس حجة على غيره؛ لأن احتمال الخطأ فيه ليس ببعيد، فإذا انضم بعضها إلى بعض، وانصبّت على مدرك واحد، بدون أن ينازعها فيه مخالف، بعدت عن احتمال الخطأ، وقويت دلالتها على إصابة الحكم، ومشاكلة الحقيقة.
وقصر داود الظاهري الحجة في إجماع الصحابة - رضي الله عنهم -، ومثله ما قال الإِمام أحمد بن حنبل في رواية أبي داود عنه: الإِجماع: أن يتبع ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعن الصحابة، وهو في التابعين مخير.
وإذا حققنا أن الإِجماع الذي يسد فم المجتهدين بعده، هو الذي يصرح فيه جميع المجتهدين بالحكم الواحد، ولا يكفي أن يتلفظ بعضهم، ويسكت بعض، ولو واحداً، ظهر أن انعقاده بعد عصر الصحابة، وقد اتسعت ممالك الإسلام، ونشأ العلماء في أقطار متباعدة، مما يعسر إثباته، ولكنه على فرض وقوعه يكون حجة؛ كما هو مذهب جمهور العلماء.
وكثير من الفقهاء ينسب الإجماع إلى عدة مسائل، على معنى: أنه لم يعثر فيما طالع من الكتب على ذكر خلاف فيها, لا بمعنى أنه تتبع أقوال المجتهدين بأسرهم، فوجدها متصادفة على رأي واحد.
والقياس: أن ينص الشارع على حكم أمر، فنبحث عن علة الحكم، فإذا ظفرنا بمعرفتها، فإنا نلحق بذلك الأمر كل ما شاركه في العلة، ونسوّيه به في حكمه إذناً أو نهياً، ومن الأمثلة التي توضح هذا الطريق المهم في التشريم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:"لا يقضي القاضي وهو غضبان"، فنبه في الحديث على أن