الغضب علّة في منع القضاء، ويظهر بالنظر أن الغضب ليس علّة لذاته، بل لما يتضمنه من الدهشة المانعة من استيفاء الفكر، والتروي من حال الواقعة، فيقول المجتهد:"لا يقضي القاضي وهو متألم"، فيقيس المتألم بالغضبان، ويسوّيه به في المنع من القضاء؛ لاشتراكهما في علّته، وهي: قلق الفكر، واضطراب شعوره.
واهتدى العلماء للاستدلال بقاعدته؛ حيث فهموا من استقراء مقاصد الشريعة: أن أحكامها مبنية على رعاية مصالح العباد، وخالف في صحة الاحتجاج به الظاهرية؛ بدعوى أن نصوص الشريعة تقي بجميع ما تدعو إليه الحاجة في جميع الحوادث.
ومما قال أبو محمد اليزيدي في الحثّ على القياس، والعمل به:
ما جهول لعالم بمدانٍ ... لا ولا العيّ كائن كبيان
فإذا ما جهلت فاسألْ تخبَّرْ ... إنّ بعض الأخبار مثل العيان
ثم قِسْ بعض ماسمعت ببعض ... وائت فيما تقول بالبرهان
لاتكن كالحمار يحمل أسفا ... راً كما قد قرأت في القرآن
إن هذا القياس في كل أمر ... عند أهل العقول كالميزان
لا يجوز القياس في الدين إلاّ ... من فقيه لدينه صوّان
إن من يحمل الحديث ولا يعـ ... ـرف فيه التأويل كالصيدلاني
حين يلغي لديه كل دواء ... وهو بالطب جاهل غير ران
ولنا في النبي صلى عليه اللـ ... ـهُ والراشدون كلَّ أوان
أسوة في مقاله لمعاذٍ ... اقض بالرأي إن أتى الخصمان