للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نطلع على نص مفصل أو عام يدل على حكمها، بالأمور التي تقررت لها أحكام؛ بجامع العلل التي هي دائرة على اعتبار المصالح والمفاسد، ويسع هذا الباب من الوقائع المتجددة ما لا يحيط به الاستقصاء.

أقامت الشريعة دعائم كلية، وينبني على كل دعامة منها أصول وأحكام يستخرجها العارف بطبيعة النوازل، القائم بمقصد الشارع في أمثالها، ومن هذه الدعائم قولهم: "الضرر يزال". ومن مآخذها: قوله - عليه الصلاة والسلام -: "لا ضرر ولا ضرار". ومنها: "المشقة تجلب التيسير"، ومن دلائلها: قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥].

ويدلنا دلالة جلية على اعتبار الشريعة للمصالح: أن المجتهدين الذين هم أعرف الناس بمقاصدها, لا يقفون في بعض الأحيان على ظواهر القرآن والحديث، فيقيدون مطلقاتها، ويخصصون عموماتها بمثل هذه القواعد، ومثال هذا. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه", وهذا مطلق، فقيّده الإِمام مالك بما إذا وقعت بين الخاطب والمخطوبة مراكنة واتفاق على الصداق، وقال في "الموطأ": وليس المراد إذا خطب الرجل المرأة، فلم يوافقها أمره، ولم تركن إليه، أن لا يخطبها أحد، فهذا باب فساد يدخل على الناس. أي: لما فيه من الحرج الذي هو مرفوع من الدين.

ويماثل هذا حديث "الصحيحين": أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين على المدعى عليه، فحمله الإمام مالك وموافقوه على ما إذا كان بين المدعي والمدعى عليه خلطة؛ حذراً من أن يتجرأ السفهاء على أهل الفضل، ويبتذلوهم بتحليفهم في اليوم الواحد مراراً، فانظروا كيف خصن الحديث بشرط الخلطة؛