لكفّ ما يتوقع من الضرر على أهل الفضل؛ حيث علم: أن من مقاصد الشريعة: سد الأبواب التي يطرق الفساد من ناحيتها.
وقد يتوقف الأئمة عن العمل بحديث الآحاد، إذا ورد مناقضاً لقاعدة انتزعوها من موارد لا تحصى حتى قطعوا بصحتها، وقصد الشارع إلى إقامتها؛ كما صنع الإمام مالك وغيره في حديث:"المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا"؛ فإنه نظر إلى أن افتراقهما، وانفصال أحدهما عن الآخر ليس له وقت محدود، ولا غاية معينة، إلا أن يقوما، أو يقوم أحدهما، وهذه جهالة يقف عليها انعقاد البيع، فيصير في معنى الصور المقطوع بفسادها؛ كبيع الملامسة والمنابذة؛ بأن يقول له: إذا لمست، أو نبذت الحصاة، وجب البيع، والشأن في الصور المتماثلة، لا سيما في أبواب المعاملات التي هي مبنية على مقاصد عمرانية، وعلل ظاهرة للعقول: أن تكون أحكامها متساوية، فيجب أن يحشر جميعها زمرة واحدة تحت ما هو أقوى دلالة، وأبعد عن مواقع الظنون.
ومن شواهد الاعتبار بالمصالح والمفاسد: أن من الأشياء ما يكون في نفسه خاليًا من المفسدة، ولكنه يقرب منها بحيث يجر بطبيعته إلى ما فيه المفسدة، فتعاليم الإِسلام تقتضي المنع منه، كما تأذن في الأعمال التي تكون عارية من المصلحة في ذاتها، إلا أنها تفضي بعادتها إلى الأعمال المقترنة بالمصالح، ولهذه القاعدة المعروفة بسد الذرائع وفتحها فائدة عظيمة، ومدخل في مواقع السياسة بديع.
بسط الإسلام في رعاية المصالح المرسلة، وهي مصالح لم يقع التنصيص في الشرع على اعتبارها بخصوصها ولم يرد نص بإلغائها، ومن طرق الاحتجاج عليها: أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يتعلقون بما يرونه مصلحة، ما لم يظهر دليل