خاص على منعه؛ ككتابتهم للمصحف، وولاية العهد من أبي بكر لعمر - رضي الله عنهما -، وتدوين الدواوين، وعمل السكة، واتخاذ السجون، وما شاكل ذلك.
ومن وفاء الإِسلام بحق المصالح: أن جعل للعرف والعادة اعتباراً في تفاصيل الأحكام، فإن من الأحكام ما يبنيه الشارع على رعاية حال مستمرة، وسبب لا ينقطع، فيتعين العمل به في كل مكان وزمان؛ كالمنع من الربا، ومطالبة المدعي بالبينة، ومنها ما يبنيه على رعاية أحوال تتغير، وعوائد تتجدد، وهذا النوع من الأحكام لا يلزم طرده في كل عصر، ولا إجراؤه بكل موطن، بل يجري العمل فيه على ما يقتضيه العرف السائد بين الناس.
قال شهاب الدين القرافي في "قواعده": إن الأحكام تجري مع العرف والعادة، وينتقل الفقيه بانتقالها، ومن جهل المفتي جمودُه على المنصوب في الكتب غير ملتفت إلى تغير العرف، فإن القاعدة المجمع عليها: أن كل حكم مبني على عادة، إذا تغيرت العادة، تغير الحكم، والقول باختلاف الحكم عند تبدل الأحوال والعادات لا يستلزم القول بتغيره في أصل وضعه، والخطاب به كما توهمه بعضهم، وإنما الأمر تدعو إليه الحاجة عند قوم، أو في عصر، فيكون مصلحة، وتتناوله دلائل الطلب، فإن لم تقتضه عادتهم، ولا تعلقت به مصلحتهم، دخل تحت أصل من أصول الإباحة أو التحريم.
وممن حقق أن في أحكام الشريعة ما يجري بحسب اختلاف الزمان: شهاب الدين القرافي؛ حيث قال: إن التوسعة على الحكام في الأحكام السياسية ليس مخالفاً للشرع، بل تشهد له القواعد، ومن جملتها: أن الفساد قد أكثر وانتشر؛ بخلاف حاله في العصر الأول، ومقتضى ذلك: اختلاف الأحكام بحيث لا تخرج عن الشرع.