ويوافق هذا قول عمر بن عبد العزيز: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.
وقول عز الدين بن عبد السلام: تحدث للناس أحكام بقدر ما يحدثون من السياسات والمعاملات والاحتياطات. أي: يحدثون أسباباً، فتستدعي أحكامًا تنتزع لها من دلائل الشرع، ومن هنا لزم أن يكون المقرر لأحكام السياسة وغيرها، ممن أوتي العلم بقوانين الشريعة، والفهم الراسخ في مداركها، حتى لا يخرج في تقريره عن الرسوم المطابقة لمقاصدها.
يتصرف علماء الإِسلام في الأحكام على نهج المصالح، فإذا أدركوا المصلحة في العمل بالقول الضعيف، أخذوا به، وتركوا ما هو المشهور حيث كان مجرداً عنها.
قال أبو علي المسناوي: إذا جرى العمل ممن يقتدى به بمخالف المشهور لمصلحة وسبب، فالواقع في كلامهم أنه يعمل بما جرى به العمل، وإن كان مخالفاً للمشهور، وهذا ظاهر إذا تحقق استمرار تلك المصلحة وذلك السبب، وإلا، فالواجب الرجوع إلى المشهور.
ويقول بعض الفقهاء في شروط الأخذ بما جرى به العمل:
خامسها معرفة الأسباب ... فإنها معينة في الباب
وعند جهل بعض هذي الخمس ... ما العمل اليوم كمثل أمس
ولم يعدم الإسلام علماء يفقهون أن أحكامه واردة لحفظ المصالح، ودائرة على مقتضى الحاجات، فهذا أحد الفقهاء في قرية من صحراء الجزائر يقال له: خليفة بن حسن، نشأ في المئة الثالثة عشرة، فأفتى بجواز استناد الحاكم إلى آثار الأقدام في نحو السرقة؛ حيث كان لأهل بلاده براعة فائقة في معرفتها،