واستوفوا شروطها، أن لا يصيبوا وجه الحق في الواقع، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ، فله أجر".
وأطلق الشارع للعقود عنانها في الاجتهاد؛ ليفتح لها المجال في النظر، ويربيها على مبدأ الاستقلال بالرأي، حتى لا يستولي عليها التقليد من جميع جهاتها، فيتخللها الجمود، ويصبح الفرق بينها وبين العقول المتصرفة كالفرق بين الماء الراكد في حمأ، والماء المنهمر على الصفا لا يمازجه كدر.
ومن شعر بهذه الحكمة، لا يمكنه الغضّ من جانب علماء الإِسلام؛ حيث أفضى بهم الاجتهاد إلى الاختلاف، بل هذا مما يجر إلى الاعتراف بمزيتهم، ويبرهن على أنهم نشؤوا على مبدأ البحث واستقلال الفكر، ولو أنهم كانوا بعقول خامدة، وإرادة ميتة، لاتبعوا ما يفتي به أول فقيه منهم، وتسلّموه بتقليد.
لا محيص للمجتهدين من الخلاف لوجوه متعددة:
منها: أن غالب الدلائل أقوال نزلت بلسان العرب، وطرق دلالة الألفاظ على المعاني مما يجري فيه الخلاف بين الناظرين في علم العربية، وجريان الخلاف في دلالة مفردات الألفاظ ومركباتها يوجب الاختلاف في الأحكام المأخوذة منها.
ومنها: أن غالب الأحاديث يرويها الآحاد من الصحابة والتابعين، وقد يبلغ الحديث مجتهداً، ويصح عنده، فيبني عليه مذهبه، ولا يصل إلى مجتهد آخر، أو لا يثبت عنده، فيؤديه النظر إلى خلاف ما يتضمنه الحديث.
ومنها: أن بعض الأحكام تركب على علل لا يصرح بها الشارع، ولا يوميء إليها، ويكلها إلى اجتهادات العقول، فتذهب في الفحص عنها، والتنقيب