للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من ورائها إلى أن يستقر رأي بعضهم على علة، ويتعين عنده غير علة أخرى، وإذا اختلفت العلل، اختلف ما بسند إليها من الأحكام.

ولا ننسى أن فروعاً كثيرة إنما انجرّ إليها الخلاف من تباين العرف، أو عدم اتحاد المصالح؛ لتبدل العصور، أو تباعد المواطن، ومثل هذا لا ينبغي إدراجه في مسائل الخلاف الحقيقي كما أومأنا إليه فيما سلف.

ولو أن أهل الإسلام استمروا على تأليف الجمعيات العلمية؛ لتحرير أحكام الحوادث، واستخلاص الحقيقة من الآراء المتلاقية، لالتأمت عدة خلافات حقيقية، وسقطت أقوال كثيرة من حساب مسائل الخلاف. وقد كان للسلف اهتمام بجمع العلماء في المسائل المشكلة، فقد نقل الحافظ ابن عبد البر عن المسيب بن رافع: أنه جاء الشيء من القضاء ليس في الكتاب ولا في السنّة، رفع إلى الأمراء، فجمعوا له أهل العلم، فما اجتمع عليه رأيهم، فهو الحق.

وروي عن علي بن أبي طالب، قال: قلت: يا رسول الله! الأمر ينزل بنا لم ينزل فيه قرآن ولا سنّة، قال: "اجمعوا له العالمين". وهذا الحديث قدح الحافظ ابن عبد البر في سنده، ولكنه يدل على أن تأليف الجمعيات لتحرير المسائل العلمية مما شعر بفائدته علماء الإسلام في القديم.

* انتشار المذاهب:

أنبتت العصور الأولى طوائف من المجتهدين، ولم يبق من مذاهبهم التي هي محل للتقليد سوى مذاهب كان لأئمتها أصحاب يتلقونها منهم، فأوسعوها بالتفريع، وحفظوها بالتدوين؛ كمذاهب أبي حنيفة، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل - رضي الله عنهم -.