على النوازل في الخارج؛ فقد يكون الرجل قائماً بالأحكام، وتنشر بين يديه النازلة، ويتعذر عليه تمييز الحكم الذي ينطبق عليها من جميع جهاتها.
وتنزيل الحكم على قدر الواقعة المعينة هو المسمّى عندهم بعلم القضاء، قال الإمام مالك في "المدونة": ليس علم القضاء كغيره من العلم، ولم يكن بهذا البلد أحد أعلم بالقضاء من أبي بكر بن عبد الرحمن، وكان قد أخذ شيئًاكان علم القضاء من أبان بن عثمان، وأخذ ذلك أبان عن أبيه عثمان، وكان أبو بكر هذا قاضياً لعمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -.
وصف ابن خلدون العلماء بنقيصة الجهل بمناهج السياسة، وادعى أن هذه النقيصة جرّها إليهم وصف العلم بطبيعته، فقال: إن عمارة أفكارهم بالقو اعد، وتعودهم بالقياس الفقهي، يقتضي بطبيعة قصور أمدهم، وبعدهم عن الإصابة لوجه السياسة.
والذي نختاره في وجه قصورهم عن مآخذ السياسة، وعدم تمكنهم من منازعها: إنما هو حصر وجهتهم في حفظ العلوم، وقلة الالتفات بها إلى أحوال العمران، أما من أضافوا إلى ما عندهم من العلم بأوضاع الشريعة النظرَ في الشؤون العامة، والكشف عن أسرار الحوادث، وما يعقبها في الخارج، فإنهم يحرزون السباق في نظام الدولة، والمحافظة على مصالح الأمة، كما يرشدنا إليه كمال خبرة المجتهدين والخلفاء الراشدين بمناهج السياسة، وحاجات الأمة، مع أنهم أغزر علماً ممن سمّاهم ابن خلدون بالعلماء.
كان علماء الشريعة يفحصون عن أحوال الأمة، ويستطلعون على مجاري أعمالها؛ ليفرغوا عليها من الأحكام ما ينطبق عليها، ثم اتفق لبعض حملة