للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفقه أن قطعوا بحثهم عن الشؤون العامة، وألفوا مساكنهم، فإذا قصدهم أحد بمسألة، أعلموه بما يروونه عن سلفهم في حقها، وربما تكون فتوى القدماء مبنية على سبب استنتجوه من مطالعة الحالة الجارية بين الناس، وهذا السبب قد ينقرض، فيتعين استئناف النظر في الفتوى، والالتفات إلى ما بين يت عليه في الواقع.

وقد جرت على كثير من الفقهاء الذي يجهرون بشيء من نتائج عقولهم محن واضطهادات، فكانت أحد الأسباب التي رمت الأفكار بالجمود، وجعلتها تدور على محور المنقول؛ مثلما وقع لأبي الوليد الباجي، وابن حزم.

أحرق المعتضد بن عباد لابن حزم كتبه في "إشبيلية"، ومما قاله في هذه الواقعة:

دعوني من إحراق رَقٍ وكاغدٍ ... وقولوا بعلمي كي يرى الناس من يدري

فإن تحرقوا القرطاس لم تحرقوا الذي ... تضمنه القرطاس بل هو في صدري

يسير معي حيث استقلت ركائبي ... وينزل إن أنزل ويدفن في قبري

وقد يتفق للفقيه دولة أمير عالم، أو وزير لا تشتبه عليه الحقائق، فيستوقف عنه الفئة المتهافتة في قطع سبيله، مئلما جرى للشيخ بقي بن مخلد؛ فإنه دخل الأندلس بمصنف ابن أبي شيبة، وأقرأه، فأنكر عليه جماعة بثه؛ لما فيه من مسائل الخلاف، وقام عليه جماعة من العامة، ومنعوه عن إقرائه، فاستحضره الأمير محمد، وتصفح الكتاب جزءاً جزءاً، حتى أتى على آخره،