أسف لعدم إسراع ابنه بالجواب قبل أن يصفها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن عمر أحب أن تظهر ألمعية ابنه وجودةُ قريحته في مجلس ينتظم شمله من رجال عظمت مداركهم، ولطف وجدانهم؛ لتنجذب إليه أفئدتهم ويحرز من استطلاعهم على فضيلته حظوة وعناية، ولو كان ابن عمر في مجمع لا يرتفع فيه شأن الأذكياء، لما أسف والده ذلك الأسف البالغ حين فاته أن يجهر بفكر يلوح إلى فطنة متنبهة.
* الفقهاء والأمراء:
إن للقائم بأمر الدولة ثلاث مقامات:
أحدها: تقرير أحكام تتميز بها الحقوق، وترسم للناس نظامات الاجتماع.
ثانيها: القضاء بها عند تحقق موجبها.
ثالثها: تنفيذها عند إباية المقضى عليه.
ولا تتمكن الدولة من الاحتفاظ بهذه المطالب الثلاثة إلا إذا صرفت عنايتها في نشر التعليم؛ لتستخلص رجالاً يقومون بمحكم واجباتها ونظاماتها، وآخرين يجيدون النظر في تطبيقاتها، كما يتعين عليها- لتستكمل قوتها التنفيذية-: أن تساعد الأمة على ترقية الصنائع، وتسهيل وسائل التجارة والفلاحة، وكل ما يعود على الثروة بالتوسعة، فشرف الدولة يرجع إلى أصلين: معنوي، وهو سعة المعارف، وحسن التدبير، وهذا هو السبب الذي يعرج بالأمة الخاملة إلى مطلع الفخر والسيادة. وحسي، وهو القوة والنظام، وهذا إنما تستمده الدولة من سعادة حال الأمة، وانظروا إلى الأمم الراقية فيما يقصه عليكم التاريخ, فإنها لا تكاد تنهض من مرقدها إلا حيث يقبض على زمام سياستها رجال أولو عقول نافذة، وتدبيرات صائبة، ثم تشاهد