الشوكة، وتنسيق المشروعات المدنية لم يتحققا لهم على وجه كامل، إلا عند تقدم الشعب، وبلوغه إلى أن يكون الشرف سائداً في أفراده.
ويتجلى من هذا: أن الدولة التي لها صبغة إسلامية، إنما يتحقق لها الشرف المعنوي بالرجال الذين يقومون بأحكام الإِسلام، ولهم المقدرة الطائلة في صناعة تطبيقها.
كان الأمراء في الصدر الأول يقومون بمعرفة أحكام الشريعة؛ بحيث يكون الأمير نفسه مرجعًا للعامة في الفتاوى وفصل الخصومات، حتى إن ابن عمر وغيره كانوا يقولون للسائل عن الفتيا: اذهب إلى الأمير الذي تقلد أمور الناس، فضعها في عنقه، وهذا - كما قال الإمام الغزالي - إشارة إلى أن الفتيا في القضاء والأحكام من توابع الولاية والإِمارة. ثم عرض للأمراء ما استلفتهم عن القيام به؛ كاشتغالهم بوقائع الحروب، فصاروا يستعينون على ذلك بالعلماء، فكان الأمير يجلس وحوله بعض العلماء يرجع لهم في القضاء والأحكام، ويأمر أعوانه بتنفيذها.
ولما وجب على صاحب الدولة في الإِسلام أن ينظر إلى السياسة بمرآة الشريعة، كانت الرابطة بين الفقهاء والأمراء متحتمة.
والفقهاء في حالهم مع الأمراء على أربعة أصناف:
الصنف الأول: يتباعد عن ساحة الأمراء، ويضمر في نيته التحاشي عن مشاهدة ما ينكر، أو الترفع عن الوقوف بين يدي ذي نخوة وشفوف، ومن هؤلاء من يقول:
إن صحبنا الملوك تاهوا علينا ... واستخفوا كبراً بحق الجليس
فلزمنا البيوت نستخرج العلم ... ونملا به بطون الطروس