الصنف الثاني: يغشى منازلهم، ولا يغض طرفه عما يحدق بهم من المساوي، فيأمر بالقسط، ويصدع بالموعظة، ولو لم يأمن أن تقع حياته في خطر.
نقل الحافظ ابن عبد البر: أن مالكاً - رضي الله عنه - قيل له: إنك تدخل على السلطان، وهو يظلم ويجور! فقال: يرحمك الله، فأين الكلام في الحق؟.
والصنف الثالث: يتقرب منهم، ولا يناديهم بالإرشاد في كل خلل يرتكبونه، وإنما يتعرض بنصيحته في الزلل الذي يعلم منهم التسامح فيه، والإغضاء عمن يعظهم في حقه.
والصنف الرابع: يتردد على مجالس الأمراء، ويندمج في طباعهم، وربما بلغ به الإغراق في ملايمتهم وابتغاء مرضاتهم إلى تحريف الفتوى عن مواضع الحق، وفي مثل هؤلاء يقول بعض العلماء:
قل للملوك نصيحة ... لا تركنون إلى الفقيه
إن الفقيه إذا أتى ... أبوابكم لا خير فيه
وهذا الصنف مما زاد الوهن في العلاقة بين الأمراء والفقهاء؛ فإن الأمراء الذين يضطهدون الحقوق، قد تعودوا من هذه الفئة التملق في خطابهم، والتنازل بالفتاوى إلى ما يوافق أهواءهم، فإذانظروا إلى فقيه ينطوي على كبر همة، وتحالف متين مع الحق، حسبوه مناوئاً لهم، غير مسالم لسياستهم.
والأمراء باعتبار حالهم مع العلماء الذي يجاهرونهم بالنصيحة على ثلاثة أصناف: