للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يكون معلومًا لنا؛ إذ لا يترتب على هذا العلم فائدة.

ولما استدل الجمهور على النسخ بقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٥٦] قال المنكرون للنسخ: إن الآية المراد منها: المعجزة؛ بدليل قوله تعالى بعد: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ١٠٦]؛ فإن وصف القدرة إنما يناسب الإِتيان بخير من الآية المتلوة، والإتيان بمثلها.

ورد هذا؛ بأن الصحابة - رضي الله عنهم - وهم أعرف الناس بفهم القرآن، كانوا يفهمون الآية على نسخ الآيات المتلوة في القرآن، ففي "صحيح البخاري" عن ابن عباس، قال: قال عمر - رضي الله عنه -: أقرؤنا علي، وأقضانا علي، وإنا لندع من قول أبيّ، وذاك أن أبيًّا يقول: لا أدع شيئاً سمعته من رسول الله (١) - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال الله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا}، يريد: أن أبيًّا ربما قرأ ما نسخت تلاوته؛ لكونه لم يبلغه النسخ.

وقال المنكرون للنسخ أيضاً: نسلم أن قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} مراد منه: نسخ الآية المتلوة، لا المعجزة، ولكن الآية وردت شرطية، والقضية الشرطية لا تستلزم الوقوع.

ويجاب عن هذا: بأن الآية - وإن كانت شرطية - قد وقعت في سياق الامتنان، والشرطية إذا وقعت في سياق الامتنان من الله تعالى، دلّت على وقوع فعل الشرط وجزائه.

وقد عمد منكرو النسخ لآيات وأحاديث متعددة ظاهرة في النسخ،


(١) يريد: أن ما سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد علمه من طريق قطعي، وأما ما يخبره به غيره عنه، فلا يقبله، ويترك ما سمعه، إلا إذا بلغ مبلغ القطع.