للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتأولوها على وجوه يريدون بها الجمع بين ما قيل فيه: إنه من قبيل الناسخ والمنسوخ.

وربما تعسف هؤلاء في التأويل، وأتوا بما لا يقع لدى العارف بحكمة التشريع ويلاغة القرآن موقع القبول.

كما أن بعض القائلين بالنسخ قد يتسرعون إلى تخريج آيات وأحاديث على باب النسخ، ويكون وجه إبقائها في الآيات المحكمة قريباً، وقد أسقط أبو بكر بن العربي كثيراً مما عد في الناسخ والمنسوخ بطريقة الجمع بينهما على وجه مقبول. "والنسخ الواقع في الأحاديث الذي أجمعت عليه الأمة لا يبلغ عشرة أحاديث البتة، بل ولا شطرها" (١).

ولا يكفي في تخريج كلام الشارع على النسخ مجرد التنافي بين ظاهري النصين، بل لا بد من قيام شاهد على النسخ، وأقوى شواهده: نص الشارع على ذلك؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها"، وقوله: "كنت نهيتكم عن ادخار لحم الأضاحي، فادخروها"، وقوله: "كنت نهيتكم عن الانتباذ، فانتبذوا".

والنسح يقع في الشريعة لِحِكَم:

منها: اختلاف المصلحة باختلاف الزمان؛ كنسخ وجوب وقوف المسلم للعشرة من العدو للقتال بوجوب وقوفه للاثنين منهم.

ومنها: أخذ الناس إلى بعض الأحكام على وجه التدريج؛ حتى يسهل عليهم الامتثال؛ كما وقع تحريم الخمر، وتحريم الكلام في الصلاة بعد أن


(١) "أعلام الموقعين" (ج ٣ ص ٤٥٨).