للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن لم يكن تركه - عليه الصلاة والسلام - من ناحية الجبلّة، ولم يثبت أنه كان لمنع يختص به، فإن علم حكم هذا الترك في حقه من حرمة أو كراهة، كانت الحرمة أو الكراهة شاملة لأمته؛ بحجة أن الأصل عدم الخصوصية، فإن ترك - عليه الصلاة والسلام - أمراً، ولم يعلم حكم هذا الترك، دلّ على عدم الإذن: في الفعل. وأقل مراتب عدم الإذن: الكراهة، فيحمل عليها حتى يقوم الليل على ما فوقها، وهو التحريم.

وإذا ترك - صلى الله عليه وسلم - الأمر لمانع من الفعل يصرح به، أو يفهمه المجتهد بطريق الاستنباط، ثم يزول هذا المانع، فإنه يصح النظر بعد في أمر المتروك، ويجري حكمه على ما تقتضيه أصول الشريعة؛ كما ترك - صلى الله عليه وسلم - صلاة القيام في رمضان جماعة، وذكر أن المانع من استمراره عليها: خوف افتراضها عليهم، ولما انقطع الوحي بانتقاله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى، ارتفع المانع من صلاة التراويح جماعة؛ وهو خوف الافتراض، فلم يبق في تركها موضع للتأسي، ولذلك رجع بها عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى الأصل الذي هو فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لها في جماعة.

ومن هذا الباب: تركه - صلى الله عليه وسلم - لقتل حاطب بن أبي بلتعة حين اطلع له على كتاب أرسله إلى قريش يخبرهم فيه ببعض أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال ردًا على عمر بن الخطاب إذ قال له: دعني أضرب عنق هذا المنافق: "إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعلّ الله اطلع على من شهد بدراً، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم" (١)، ففي ظاهر الحديث تعليل عدم قتله بشهوده واقعة بدر، فمن لم تتحقق فيه هذه المزية ممن يتجسسون على المسلمين،


(١) "صحيح الإمام البخاري".