للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويبلغون أخبارهم للمحاربين، يبقى أمره موكولاً لاجتهاد الإمام؛ ليجازيه بما تقتضيه المصلحة، ولو بالإعدام، وهذا ما يقوله إمام دار الهجرة مالك ابن أنس - رحمه الله -.

وإذا ترك - صلى الله عليه وسلم - أمراً لم يظهر في عهده ما يقتضي فعله، ثم طرأ حال يجعل المصلحة في الفعل، ارتفع طلب التأسي في الترك، وأصبح ذلك الأمر مجالاً لنظر المجتهد، حتى يفصل له حكماً على قدر المصلحة الداعية إلى فعله. ومثال هذا: أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لم يجمع القرآن في مصحف؛ إذ لم يظهر في عهده ما يدعو إلى هذا الجمع، ولكن كثرة من قتل في حرب أهل الردة من القرّاء أثارت الخوف على القرآن من الضياع، ورأى الخليفة الأول صحة الجمع لهذا المقتضى الذي لم يكن في عهد الوحي قائماً.

ولا يدخل في الترك الذي نتحدث عنه عدم فعله - صلى الله عليه وسلم - لأمور لم تكن وسائلها قد تهيأت، ولا الفنون التي يتوقف عليها إنشاؤها قد ظهرت، فلا يخطر على البال أن نمنع من وضع آلات تعرف بها الأوقات في المساجد، ونستند في هذا المنع إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل هذا في مسجده الشريف. وليس من الفقه أن نرد الخبر بثبوت شهر رمضان يأتي على طريق البرق أو المسرّة (١)؛ بدعوى أن الأخذ به مخالف للسنّة؛ إذ لم يأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - في إثبات الشهر إلا بشهادة يؤديها من في حضرته. وإنما يعد مثل هذا من قبيل المسكوت عنه، فلأهل العلم أن يتناولوه بالاجتهاد، ويلحقوه بالأصل الذي يصح تطبيقه عليه.


(١) المسرة: الهاتف.