للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والترك الذي يدل على عدم الإذن هو ما يروى في لفظ صريح؛ كتركه - عليه الصلاة والسلام - الأذان والإقامة ليوم العيد، وتركه غسل شهداء أحد، والصلاة عليهم. ويلحق بهذا: تركه الذي لم ينقل بلفظ صريح، ولكنه يفهم من عدم نقلهم للفعل الذي شأنه أن تتوفر الدواعي على نقله لو وقع. فيصح لنها أن نقول: من السنّة ترك رفع الأصوات بالذكر أمام الجنازة، ويكفي في الاستشهاد على أن السنّة ترك هذا الرفع: عدم نقلهم لفعله، وهو من الأمور التي لو فعلت، لتوفرت الدواعي على نقلها.

وقد وردت أحاديث دلت على أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يتركون الأمر لمجرد ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - له؛ كما ورد أنه - عليه الصلاة والسلام - خلع نعله في صلاة، فخلعوا نعالهم حتى أخبرهم بعدُ بأنه عَلِمَ من طريق الوحي أن بالنعل نجاسة (١).

ومن شواهده: أنه كان - عليه الصلاة والسلام - اتخذ خاتماً من الذهب، فاتخذوا خواتيم من ذهب، ثم نبذه، وقال: "إني لن ألبسه أبدًا" بها، فنبذوا خواتيمهم (٢).

ومن عرف مسابقة الصحابة - رضي الله عنهم - إلى الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى في ترك المكروه، لم يجد في أمثال هذا الحديث دليلاً كافيًا على أن تركه -عليه الصلاة والسلام - للشيء، يحمل على أشد مراتب النهي، وهو التحريم. وحرمة استعمال خاتم الذهب مأخوذة من الأحاديث الدالة على حرمة استعمال الذهب زينة للرجال.


(١) رواه الإمام أحمد، وأبو داود.
(٢) صحيح الإمام البخاري.