للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* تقريره:

من مقتضى ما تقرر من عصمته - صلى الله عليه وسلم -، وأمانته في التبليغ: أن لا يقر أحداً على أمر غير مأذون فيه شرعاً، فيكون إقراره للأمر دليلاً على أنه لا حرج في فعله، سواء شاهده بنفسه فسكت، أو بلغه فلم ينكره. وما لا حرج فيه يشمل: الواجب، والمندوب، والمباح، فيحمل على أقل مراتبه، وهو الجواز، حتى يقوم الدليل على الندب أو الوجوب، ولا يدل الإقرار على جواز الفعل في حق من أقره النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده، بل يكون الجواز حكماً شاملاً لجميع المكلفين؛ أخذًا بالأصل الذي هو استواء الناس في أحكام الشريعة. فليس لأحد أن يعد اللعب في المسجد بالسلاح تمرينًا على الحرب أمراً مخالفاً للسنّة، بعد أن ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقر الحبشة على اللعب في مسجده بالحراب. وليس لأحد أن ينكر على المعتدة عدة وفاة إذا خرجت للاستفتاء، بعد أن ثبت أن قريعة بنت مالك خرجت بعد وفاة زوجها تستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في موضع العدة، فقال لها: "امكثي حتى تنقضي عدتك"، ولم يتعرض لخروجها بإنكار.

ويتصل ببحث السنّة مسألتان جرى فيهما اختلاف علماء الشريعة:

إحداهما: ما يقوم الدليل على أنه سنّة، ثم يتهاون فيه الناس، ولا يحتفظ به إلا فريق عرفوا باسم المبتدعة من ناحية اعتقاد أو عمل. وقد ذهب بعض الفقهاء إلى ترك هذه السنة احتراساً من التشبه بالمبتدعة. وضرب المثل لهذا بتسطيح القبور، والتختم باليمين، والحق أن محافظة بعض المبتدعة على سنّة حتى تفسير شعاراً لهم لا يخرجها عن حقيقة السنّة، ولا يزال خطاب الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فيها متوجهاً إلى أولئك الذين تركوا السنّة حتى يعودوا إليها.