والابتداع إما إحداث أمر في الدين غير مشروع من أصله؛ كصلاة الرغائب في رجب، وصلاة ليلة عاشورإء. وإما زيادة على أمر مشروع؛ كالذكر يقرن بالرقص في حركات متطابقة. وإما نقص من المشروع؛ كالذكر باسم مفرد في رأي من يعده بدعة؛ نظراً إلى أن الوارد إنما هو ذكر الله بلفظ مركب مفيد. وإما تحويل المشروع عن موضعه؛ كتقديم خطبة العيد على صلاته.
ويدخل في البدع: كل عمل استند صاحبه في ابتداعه إلى حديث موضوع؛ كالرقص في حال الذكر الذي يروي فيه فاعلوه حديثاً موضوعًا هو:"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تواجد، واهتز حتى سقط الرداء عن منكبه"، أما الحديث الضعيف يدل على فضل عمل خاص، فينفي عن العمل اسم البدعة، بشرط أن لا يكون ضعيفاً جداً، وأن يشهد لما رغب فيه من العمل أصل عام من أصول الشريعة.
ويدخل في البدعة: ترك المأذون فيه على وجه التدين، وتسمى: البدعة التَّرْكية، وقد سدّت الشريعة الطريق دون هذه البدعة إذ همّ قوم أن يقعوا في خطيئتها، فقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}[المائدة: ٨٧]، ولم تعدم هذه البدعة بعد نزول الآية أناساً يتعلقون بها، ويحسبون أنهم يتقربون إلى الله بالتزامها، وإنما انحدروا إليها من ناحية الزهد، وللزهد مواطن لا يدخل ترك الطيبات في حدودها.
دعي الحسن البصري إلى طعام، ومعه أصحابه، وفرقد السبخي (١)، فمَعدوا على المائدة، وعليها ألوان من الدجاج المسمن، والفالوذج، وغير ذلك، فاعتزل فرقد ناحية، فسأل الحسن: أهو صائم؟ قالوا: لا, ولكنه
(١) السبخة: موضع بالبصرة ينسب إليه فرقد؛ لأنه كان يأوي إليه.