لا يبقى مع المرضى من يقوم بضرورات حياتهم، حرام، وأن خروج فرد أو جماعة لم يتعين عليهم القيام بشؤون المرضى، مكروه، متى قصدوا الفرار من الموت، فإذا قصدوا غرضاً آخر ذا فائدة، كان الخروج مباحاً.
فأنتم ترون أن بين أيدينا أحاديث ثابتة بأن دعوى العدوى صحيحة، إذاً فما معنى العدوى في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "عدوى"؟.
جواب هذا: أن العرب في الجاهلية كانوا يعتقدون أن بعض الأمراض؛ كالجرب والجذام تسري بطبيعتها من المصاب بها إلى من يقرب منه، دون أن يضيفوا المرض إلى مشيئة الله تعالى، فنفى النبي - صلى الله عليه وسلم - العدوى بهذا المعنى؛ لأن اعتقادهم أن سريان مثل الجذام والجرب أمر طبيعي، دون أن يكون لمشيئة الله تعالى تأثير في ذلك، يخل بعقيدة التوحيد التي جاء الإسلام لبنائها.
فلا يراد من الحديث: نفي أن تكون هناك أمراض قد جعل الله قرب الشخص من صاحبها سبباً لانتقالها إليه، بل المراد: نفي العدوى بالمعنى الذي يتصوره الجاهليون، وهو أن الانتقال من طبيعة المرض على أنه لا بد منه.
وقد جاء في بعض روايات حديث:"عدوى": أن أعرابياً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت الإبل تكون في الرمال أمثال الظباء، فيخالطها البعير الأجرب، فيجربها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فمن أعدى الأول؟ ".
وهذا الجواب منه - عليه الصلاة والسلام - في غاية الإبداع؛ فإن حال الأعرابي حال من ينفي أن يكون للجرب سبب غير العدوى؛ إذ لو كان يعتقد أن الجرب قد ينشأ عن أمر آخر غير العدوى، لما أورد قصة الجمل