للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الواقع؛ كقلب جماد إلى حيوان، أو حيوان إلى جماد.

ثانيهما: مزاولة نفس شخص أفعالاً يكون لها أثر في شخص آخر من غير اتصال به، ولا مماسة؛ كأن يزاول فعلاً يكون من أثره تغيير حب شخص لشخص إلى بغضه إيّاه.

ونحن لم يقع بأيدينا دليل على أن النوع الأول قد وقع.

ولإيضاح الفرق بين المعجزة والسحر فرقاً ذاتياً، نقول: إن الساحر لا يبلغ أن يقلب العصا ثعباناً، ولا أن يفلق البحر فتمر منه الجيوش، ولا أن يبرئ الاكمه، أو يحيى الموتى، ولا يبلغ أن يجعل الماء ينبع من بين الأصابع، فتروى منه العشرات أو المئات من الناس؛ أي: إنه لا يجري على يده من خوارق العادة ما يجري مثله على أيدي الأنبياء - عليهم السلام -.

أما النوع الثاني، وهو أن يزاول بعض النفوس الخبيثة أفعالاً يظهر أثرها في شخص آخر من غير اتصال ولا مماسة، فقد دلت ظواهر الشريعة على صحته؛ لقوله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ١٠٢]، وقوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: ٤]، والنفاثات وصف للنفوس؛ لأن تأثير السحر إنما هو من جهة الأنفس الخبيثة، والأرواح الشريرة، وهذا وجه ذكر الوصف بصيغة التأنيث، وإذا دلت على صحته ظواهر الشريعة، ولم يقم دليل قاطع على نفيه، وكانت قدرة الله صالحة لأن تجعل للنفوس أثراً في شخص آخر من غير مماسة، لم يكن هناك داع إلى تأويل الظواهر.

ونتخلص من هذا إلى أن الذين ينكرون السحر بنوعيه: قلب الحقائق، وتأثير النفوس من غير مماسة، ينكرون حديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الحديث