للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الأسرة العالية، واقتناء الذهب والفضة والجواهر، ويقولون: إن (جوتما) كان من أبناء الملوك، وزهد في الدنيا؛ لما رأى فيها من شقاوة الشيخوخة، والأمراض، والموت، فهجر أهله وولايته، ودخل في جبل الثلج يتقشف ويتفكر.

ووجد ما يشبه التصوف - أعني: الزهد والانقطاع إلى العبادة - في الفرس، نرى ذلك منذ عهد زرادشت الذي ظهر في أيام الملك (كيستاسف)، فإن كيستاسف نفسه على ما ورد في التاريخ سار إلى جبل كرمان وسجستان، وانقطع به للعبادة، ودراسة دينهم، وسلم أمر الملك إلى ابنه إسفندار (١).

وورد في تاريخ الفرس: أن أزدشير بن بابك من أعاظم ملوكهم، تبين أن الدنيا غرّارة ضرّارة قاتلة، ما حلا منها لامرئ جانب، إلا تمرّر منها عليه جانب، فزهد في الدنيا، وآثر التفرد عن المملكة، وتركها والتحق ببيوت النيران للعبادة والأنس بالوحدة (٢).

وفي النصرانية رهبانية تشبه التصوف؛ من حيث قيامها على الزهد، والانقطاع إلى العبادة، قال الله تعالى في شأن النصارى: {وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: ٢٧]. ومن المعاني الظاهرة في الآية: أن قوماً من أتباع عيسى ابتدعوا رهبانية يبتغون بها رضوان الله، ولكنهم لم يرعوا هذه الرهبانية حق رعايتها؛ أي: لم يحافظوا عليها حق المحافظة.


(١) "تاريخ ابن خلدون".
(٢) "مروج الذهب" للمسعودي.