وجاء في بعض الأحاديث المتعلقة بفرق النصارى:"وفرقة لم تكن لهم طاقة بمؤازرة الملوك، ولا بالمقام معهم، فساحوا في الجبال وترهبوا فيها"(١).
* التصوف بعد الإسلام:
عني الإسلام بتصفية النفوس من طبائعها الرديئة، وتخليصها من شهواتها الطاغية، ثم عطف على الأجسام، فخلّى سبيلها لأن تتمتع من نعيم هذه الحياة وزهرتها باعتدال، فبقدر ما يدرك الإنسان من صفاء النفس، وسلامة الضمير، بقدر ما يكون له من السلطان على شهواته، فلا تتعدى حدود الاعتدال، يصعد في مراقي الفلاح، ويدنو من مقام الكرامة والوجاهة عند الله.
روي أن فريقاً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجتمعوا، وقرروا فيما بينهم أن يسردوا الصيام، ويعكفوا على العبادة، ولا يقربوا النساء والطيب، وأن يرفضوا الدنيا، ويسيحوا في الأرض، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم، فنهاهم في خطبة جامعة، وأنزل الله تعالى:{لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[المائدة: ٨٧].
كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجدّون في العمل ما استطاعوا، ويزهدون في الدنيا زهد من لا يتناول منها إلاّ حلالاً طيباً، وزهد من لا تلهيه تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وهم في هذا السبيل يتسابقون ويتفاضلون، وقد اشتهر كثير منهم بالجد في العبادة، والبلوغ في الزهد مكانة فضلى. ومن هذه الطائفة: أبو ذرّ الغفاري، وسلمان الفارسي - رضي الله عنه -.
(١) أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"، والحاكم، وصححه.