وعلى هذا الطراز يقول عامر بن قيس أحد زهاد التابعين:"لقد أحببت الله حباً سهل عليّ كل مصيبة، ورضَّاني بكل قضية، فما أبالي - مع حبي له - ما أصبحت عليه، وما أمسيت".
وأخذ بعض الناس في عهد التابعين بنحو نحو الغلو في الزهد. وكان الحسن البصري نفسه ممن يحارب هذا الغلو الذي لا يرتضيه الإسلام. ومما نقرؤه في تاريخ هؤلاء: أن رجلاً قال: أنا لا آكل الخبيص؛ لأني لا أقوم بشكره، فقال الحسن البصري: هذا رجل أحمق، وهل يقوم بشكر الماء البارد؟!.
فزهدُ الحسن البصري وأمثاله من فضلاء التابعين لا يحيد عن منهج الشريعة يميناً ويساراً.
وتخرّج في مجلس الحسن البصري وغيره طبقة عالمة زاكية، منهم: مالك بن دينار، وحبيب العجمي، وعبد الواحد بن زيد. وبقي هؤلاء الذين يلقبون بالزهاد والوعاظ لا يمتازون عن جمهور الناس إلا بكثرة ما يعملون من صالح، وبشدة ما يحملون من خشية الله، والعزة به، والاعتماد عليه، وبانصراف هممهم عن التعلق بما في هذه الحياة من شهوات أو حطام.
وفي خلال القرن الثاني صار الزهاد والوعاظ يسمون بالصوفية حسبما تقدمت الإشارة إليه في صدر البحث.
أخذ الزهاد والوعاظ لقب الصوفية، وما برحت طريقتهم قائمة على قواعد الدين ورعاية آدابه، وممن استقاموا من رجال القرن الثاني: الفضيل ابن عياض، وداود الطائي، ومالك بن دينار، وإبراهيم بن أدهم.
وظهر في عهد هؤلاء نفر كانوا يتشبَّهون بهم على جهالة، ويظهرون للناس بغير ما كانوا يُسرّون، وهم الذين يقول فيهم الإمام الشافعي: