للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَدَعِ الذين إذا أتوكَ تنسَّكوا ... وإذا خَلَوا فَهُم ذئابُ خفافُ

وجعل الصوفية يتحدثون عما يرد عليهم من الخواطر، وما يجدونه من الأذواق، ويعبرون عن هذه الخواطر والأذواق بكلمات إما مألوفة، وإما غير مألوفة، حتى أصبح التصوف في القرن الثالث مذهباً ذا قواعد واصطلاحات.

يصف لنا التاريخ صوفية القرن الثالث، فنرى كثيراً منهم على طريق سلمان الفارسي، والحسن البصري؛ مثل: أبي القاسم الجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري، ويحيى بن معاذ الرازي، وذي النون المصري، وبشر الحافي، وسري السقطي وأبي يزيد البسطامي.

ونرى بجانبهم قوماً آخرين خلطوا التصوف بشيء من أصول الفلسفة الإشراقية، وشاع يومئذ الغلو في الزهد، وراج ما توهمه بعضهم من أن التوكل نزع اليد من الأسباب جملة.

وأخذ بعض المنتمين إلى التصوف في ذلك العهد ينطقون بعبارات خارجة عن حدود الشريعة، كالكلمات التي هي ظاهرة في معنى الحلول والاتحاد، مثل ما قال الحلاج (١): "أنا الحق"، وقال: "ما في الجبِّة إلا الله"، ويعبرون عن مثل هذه الأقوال في اصطلاحهم بالشطحات.

ودخل في التصوف من الباطل في ذلك العهد ما يزعمه بعضهم من أن المسالك للطريق تسقط عنه أحكام الشريعة من أوامر ونواه. ومن عبارات هؤلاء: "الاشتغال بالأوراد عن المورود انقطاع عن الغاية". وأنشد أحد شعرائهم:


(١) الحسين بن منصور الحلاج المقتول سنة ٣٠٩.