الناس، لم يحسن منه قرض أعراضهم بالطريق الأولى، فالمذام التي تلتصق بالشخص خفية لا يسوغ لآخر تكشّف عليها أن يحرك بها لسانه، ويتمضمض بإذاعتها في المجامع، إلا في مواضع يدور حكم الاستباحة فيها على درء مفسدة تنشأ عن عدم التعريف بها، كإبدائها على وجه النصيحة الخالصة لمن عزم على ربط العلاقة مع صاحبها بمصاهرة، أو معاملة مالية - مثلاً -، وكإنهائها إلى من له طاقة على إقلاعه عنها، وانتزاعها منه؛ مثل الأمير الأعلى، والمعلم المطاع.
وما يسلكه أهل الصحافة في أرباب الولايات من تتبع مناكرهم، وعرض مظالمهم على أنظار الحكومة لا يخرج عن هذا القبيل، ولكن على شريطة التجرد عن الأغراض الشخصية، والتحقق من صحة ذلك بإسناده إلى حجة قوية، مع اللطف في العبارة، وصنيعهم على هذا الشرط يد شاملة يطوقون بها جيد الأمة، ويدينون بها الحكومة العادلة.
ومثل هذا في الإباحة للضرورة: تمكين الخصوم من إثبات الجرحة في الشهودة فإن الحاكم لا يقضي بشهادة امرئ إلا إذا صحت عدالته، وقد يرمي أحد الخصمين الشاهد بريبة تقتضي بطلان شهادته عليه، ويستند في ذلك إلى بينة تصدق دعواه، فلا غنى للحاكم هنا عن فتح السبيل للقدح في عدالة الشاهد، وذكره بما يسوء عرضه في مجلس القضاء؛ كيلا تضيع الحقوق بشهادة السفهاء من الناس.
ولما تجاسر كثير من أهل الأهواء على اختلاق أحاديث يفترونها كذباً، ويسندونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ليؤيدوا بها مزاعمهم، أو يقضوا بها حاجة في نفوسهم، قام العلماء بحق الوراثة المنوطة بعهدتهم من قبل صاحب الشريعة،