والأمة مفتقرة إلى الكاتب والشاعر والخطيب، والاستبداد يعقد ألسنتهم على ما في طيها من الفصاحة، وينفث فيها لكنة وعِيّاً، فتلحق لغتهم بأصوات الحيوانات، ولا يكادون يفقهون قولاً.
وإذا أضاءت على الأمة شموس الحرية، وضربت بأشعتها في كل واد، اتسعت آمالهم، وكبرت هممهم، وتربَّت في نفوسهم ملكة الاقتدار على الأعمال الجليلة، ومن لوازمها: اتساع دائرة المعارف بينهم، فتتفتق القرائح فهماً، وترتوي العقول علماً، وتأخذ الأنظار فسحة ترمي فيها إلى غايات بعيدة، فتصير دوائر الحكومة مشحونة برجال يعرفون وجوه مصالحها الحقيقية، ولا يتحرفون عن طرق سياستها العادلة.
والحرية تؤسس في النفوس مبادئ العزة والشهامة، فإذا نظمت الحكومة منهم جنداً، استماتوا تحت رايتها مدافعة، ولا يرون القتل سُبَّه إذا ما رآه الناكسو رؤوسهم تحت راية الاستبداد.
ثم إن الحرية تعلّم اللسان بياناً، وتمد اليراعة بالبراعة، فتزدحم الناس على طريق الأدب الرفيع، وتتنور المجامع بفنون الفصاحة، وآيات البلاغة، هذا خطيب يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وذلك شاعر يستعين بأفكاره الخيالية في نصرة الحقيقة، ويحرك العواطف، ويستنهض الهمم لنشر الفضيلة، وآخر كاتب، وعلى صناعة الكتابة مدار سياسة الدولة.
ولم تكن ينابيع الشعر في عهد الخلفاء الراشدين فاغرة أفواهها بفن المديح والإطراء، وإنما ترشح به رشحاً، وتمسح به مسحاً لا يضطهد من