للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتحت قدمي.

يتلقى الأمراء نقد سياستهم وآرائهم بصدر رحب، وكثير منهم من إذا أنس في الأمة تهيباً، كره أن ينقلب ذلك التهيب رهبة تجرُّهم إلى إيثار الخَلق على الحق، ويدعوهم إلى ما دعا إليه عمر بن الخطاب في قوله: "أيما رجل عتب علينا في خلق، فليؤذنِّي"؛ أي: فليعلمني. وكان المأمون يقول لأهل ناديه إذا جاروه في كلام: "هلا سألتموني لماذا؟ فإن العلم على المناظرة أثبت منه على المهابة".

يطلق الأمراء العادلون للآراء أعنتها لتعرض عليهم في أي صبغة شاءت، ويثقون في هذا التسامح بأن أمامها أفكاراً مستقلة، وعقولاً راجحة، فتقبل منها ما كان حقيقة ناصعة، وترد الزائف على عقبه خائباً.

يدور على الألسنة قول ابن خلدون في "مقدمة تاريخه": "إن العرب أبعد الأمم عن سياسة الملك"، يلهج بهذه المقالة بعض الأعجمين رامزين إلى أن العرب لا يليق بهم أن يعيشوا كما يعيش الرجل الرشيد يتصرف في بيته، ويدير مصلحته بنفسه، وتبسط طائفة أخرى النكير على هذا الفيلسوف قائلة: كيف يصف الأمة التي شادت تلك الدولة الكبرى بالبعد عن مذاهب السياسة؟.

والذي ينظر في الفصل المعقود لهذه المقالة من "المقدمة" يجد ابن خلدون يتكلم على الأمة العربية الطبيعية، حيث ذكر أن العلة في بعدهم عن إجادة السياسة: اعتيادهم على البداوة، ونفورهم من سلطة القوانين، واحتياج رئيسهم إلى الإحسان إليهم، وعدم مراغمتهم، والسياسة تقتضي أن يكون السائس وازعاً بالقهر. ثم صرح ابن خلدون في هذا الفصل نفسه، بأن هذه الأمة بعد ما طلع عليها الإسلام، وفتح أبصارها في مناهج السياسة العادلة،