للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يفاخرنا بمأكول ولبس ... وذلك فخر ذي حظ هزيل

وقد سلكت هداية القرآن الكريم بالناس هذا الطريق القويم؛ أعني: طريق الاقتصاد، فبعد أن أمر في آيات كثيرة بالإنفاق في وجوه الخير، نهى عن الإسراف نهياً بالغاً، فقال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: ٢٩]، وألحق المسرفين بقبيل الشياطين، فقال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الأسراء: ٢٧]، وعدّهم في زمرة من يستحقون بغضه، فقال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: ٣١]، ونفي محبة الله للطائفة كناية عن بغضه إياهم.

وأثنى الله تعالى على المصطفين من عباده بفضيلة الاقتصاد، فقال: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: ٦٧].

ونظر الشارع الحكيم إلى أن الإسراف يذهب بسعادة الفرد والأسرة، فشرع إقامة أولياء على أموال من لم يبلغوا سن الرشد، أو من بلغوه وظهر عليهم السفه في تصرفاتهم؛ لينفق الأولياء عليهم باقتصاد، حتى يتبين رشدهم، قال تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦].

وإذا كان المسرف في إنفاق ماله ملوماً أو مذموماً، فإن الذي يقترض مال غيره لينفقه في الشهوات أحقُّ بالملام أوالمذمة، قال الشاعر الحكيم:

إذا رمت أن تستقرض المال من أخ ... تعودت منه اليسر في زمن العسر

فسل نفسك الإنفاق من كيس صبرها ... عليك وإنظارها إلى ساعة اليسر

فإن أسعفت كنت الغني وإن أبت ... فكل منوع بعدها واسع العذر