السبيل، وأقبل يدعو إلى بذل المعروف على وجه عام، ويهزّ عواطف الموسرين إلى البر بكل فقير هزاً رفيقاً، فنجده يعد على الصدقات بالوقاية من النار، ويعد عليها بنعيم الجنة، ويدفع ظن من يقع في نفسه أن الصدقات نقص في الأموال، فيعد المتصدقين بتعويض ما أنفقوه في الدنيا قبل الآخرة، قال تعالى:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[سبأ: ٣٩]، فهذه الآية دلت على أن الصدقات من أسباب سعة الرزق، ومن أصدقُ من الله قيلاً؟ ونجد القرآن الكريم يثني على المصطفين من الناس، فيذكر في خصالهم الحميدة: رحمتهم بالفقراء، وصرفهم جانباً من أموالهم في إغاثتهم، قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: ٢٤ - ٢٥] وأي مديح يسمو بصاحبه دون أن تذكر فيه خصلة السخاء وإغاثة الملهوفين؟!.
ولا ننسى أن من حكمة فرض الصيام أن يذوق الأغنياء مرارة الجوع الشديد، فيذكروا ما يقاسيه الفقراء من أمثال هذا الجوع المؤلم، فيدعوهم إلى أن يبسطوا إلى الفقراء أيديهم بالإحسان ما استطاعوا. كانت أم حاتم تكثر من الإحسان، وتقول: والله! لقد مسني الجوع ما آليت معه أن لا أمنع سائلاً شيئاً.
أراد الشارع أن لا يفوت أحداً من الناس فضل التصدق، فرَغَّب في الصدقة، واعتدَّ بالقليل أو الحقير مما يتصدق به، فقال- صلوات الله عليه -: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم يكن، فبكلمة طيبة"، وقال:"لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق". وإذا ضم القليل إلى القليل، والحقير إلى الحقير، عادت القلة كثرة، والحقارة عظماً، ومن هنا يتيسر للإنسان أن يدخل في قبيل المحسنين، وإن لم يكن في سعة من الرزق،