للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الشاعر:

وليس الفتى المعطي على اليسر وحده ... ولكنه المعطي على اليسر والعسر

ومن عناية الشارع بإغاثة الملهوفين: أناّ نجده يحثُّ من ليس بيده مال على أن يعمل ليدرك فضل التصدق. قال- صلوات الله عليه -: "على كل مسلم صدقة"، قالوا: فمن لم يجد؟ قال: "يعمل بيديه، فينفع نفسه، ويتصدق".

عملُ الرجل بيده ليتصدق على الفقراء شاهدُ صدق على بلوغ النفس في الكرم ورقة العطف غاية سامية، ومن أصدق الشواهد على رسوخ النفس في الرأفة والسخاء: أن يؤثر الرجل مسكيناً ذا متربة بنحو مطعوم أو ملبوس، وإن كان هو في حاجة إليه، وإلى هذا الصنف من المحسنين يشير القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: ٩].

ولا تعجبوا للرجل يعمل بيده ليغيث الملهوفين، أو يؤثر بالشيء وهو في حاجة إليه، فإنه يجد في الإحسان والإيثار لذة تجعل ما أحسن أو آثر به في نظره شيئاً حقيراً.

ولم أر كالمعروف أما مذاقُه ... فحلوٌ وأما وجهه فجميلُ

يريد الشارع من المتصدق أن يكون سمح النفس، فأرشده إلى أن ينفق من طيب ما عنده، ولا يزدري الفقير، فيقصد إلى الرديء من نحو طعام أو ثياب، فيتصدق به، وهو قادر على أن يتصدق بما هو خير منه، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢٦٧].

حث الإسلام على الصدقات، وحاطها بآداب تجعلها لدى المتصدَّق