للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه سائغة هنيئة، ندب إلى أن تعطى الصدقات في خفاء، ذلك أن إعطاءها صاحب الحاجة في علن، يكسر خاطره، وقد يأبى قبولها، حيث يكون ممن يتجملون ويكرهون أن يطلع الناس على أنهم في فاقة، وأشار إلى هذا الأدب رسول الله- صلوات الله عليه - حين ذكر السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة، فقال: "ورجل تصدق بصدقة وأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه".

وأذكر أني كنت قد عرفت جمعية خيرية في بعض المدن الكبرى تبحث عن الفقراء من طرق سرية، وتبعث إلى من تحققت فقرَهم بمبالغ من المال على طريق البريد، دون أن يعلموا الجهة التي أرسلتها إليهم.

ونبّه الشارع الحكيم على أن فضل الصدقات في أن يبذلها الإنسان إجابة لداعي الرحمة، ولا ينتظر ممن يبذلها لهم أن يقابلوها بجزاء أو شكر، قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: ٨ - ٩].

ومن أجمل آداب الإحسان: أن يبذله الرجل بوجه طلق؛ فإن طلاقة الوجه تنبئ بأن الإحسان صادر عن نفس عريقة في الكرم، شاعرة بأن ما تتصدق به إنما هو رزق للفقير أجراه الله على طريقها. قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: ٧]. وقال بعض الكرام:

لم لا أحبُّ الضيفَ أو ... أرتاح من طرب إليه

والضيف يأكل رزقه ... عندي ويحمدني عليه

وأصدق شاهد على سماحة الرجل ورقة عاطفته: أن يواصل بالإحسان، ولا يقطعه عن ذي الحاجة، ولو كان يمسه بأذى. وقد نبّه القرآن الكريم لهذا