يشعر رقيق العاطفة بحاجة الفقير، فيصله بالإحسان دون أن يضطره إلى بذل ماء وجهه بالسؤال، قال معاوية لبعض جلسائه: ما الجود؟ قال: التبرع بالمال، والجود قبل السؤال. قال الأعشى:
وما ذاك إلا أن كفيك بالندى ... يجودان بالمعروف قبل سؤالكا
وقال مروان بن أبي حفصة يرثي معن بن زائدة:
مضى من كان يحمل كلَّ ثقلٍ ... ويسبق فضلُ نائله السؤالا
ومن أدب الإحسان: أن يتجنب الرجل المنّ بما أعطى، وإنما يعقب المنُّ عطاء لم يكن ناشئاً عن فضيلة، ولا عن عاطفة نبيلة، وقد جعل الشارع المنَّ ماحقاً للصدقة، فلا يقام لها وزن، ولا ترجى لها مثوبة، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}[البقرة: ٢٦٤]. ولإخلال المن بمزية الكرم نرى الشعراء حين يمدحون شخصاً بسعة النوال ينبهون على أنه لا يتبع عطاءه بالمن، كما قال المتنبي في مدح كافور:
إلى الذي تهب الدولاتِ راحتُه ... ولا يمنُّ على آثار موهوب
لا يليق بالمحسن أن يمن على الفقير بما أعطى، ولا أن يتبع إحسانه بأذى، ولا يليق بمن تلقى الإحسان أن يقابله بالكفران، وكفرانُ النعمة قد يكون سبباً لقطعها، والذين يواصلون الإحسان - ولو مع مقابلته بالكفران - ليسوا بكثير.
والأصيل في الكرم يبادر إلى الإحسان ما استطاع، ومن لم ترسخ قدمه