في المكارم قد يصرف ذوي الحاجات بالوعد، وهو قادر على أن يسعفهم بحاجاتهم حال تعرضهم لمعروفه، ولعله يفعل هذا لينظر: أينجز الوعد، أم يخلفه؟ ومن هنا نرى الشعراء يمدحون كرام الناس بأنهم يجودون دون أن تسبق عطاياهم وعود، فلا يقال في حقهم: أنجزوا وعودهم، أم ماطلوا بها؟ قال المتنبي يمدح شجاع بن محمد:
وحالت عطايا كفه دون وعده ... فليس له إنجاز وعد ولا مطلُ
ولا يكلف الإنسان بأن يتداين ويتصدق، وفي كرام الناس من يلذ الإحسان، أو يقدر حسن عاقبة الإحسان، فيتحمل ثقل الدين ليغيث به ملهوفاً. وكان سعيد بن العاص يأتيه الرجل، فيسأله، فلا يكون له مال حال السؤال، فيقول للسائل: ما عندي شيء، ولكن اكتب عليّ به، فيكتب عليه كتاباً، ولا يكون من سعيد إلا أن يقضي الدين الذي أذن بأن يكتب عليه.
أمر الشارع بإغاثة الفقراء على وجه عام دون أن يعين وقتاً للتصدق، أو مقداراً لما يتصدق به، بل وكل ذلك إلى استطاعة الرجل، وسماحة نفسه، وشعوره بحاجات البائسين، وجعل هذا مضماراً يتنافس فيه عشاق مكارم الأخلاق، ويتفاضلون فيه درجات.
وأمر الشارع بعد هذا بصدقات تؤدى في أوقات معلومة، كما شرع زكاة الفطر عند قضاء شهر رمضان، وأمر بصرف قسط من لحوم الأضاحي إلى الفقراء.
وفرض الشارع كفارات على بعض ما يرتكب من المخالفات، ونظر في تقرير هذه الكفارات إلى حاجة الفقراء، فجعل من أصنافها: إطعام المساكين، كما جعل من أصناف كفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين، وأصناف كفارة