للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الأستاذ في مقاله الثاني (١): "وبما أننا نتكلم عن مصر، فإن حركة التجديد فيها وقفت منذ فقد المصريون الملكة الحربية بعد عهد رمسيس الثاني في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ومنذ أصيب كهنتهم بحب المال والسلطة، وطمع الجنود المسترزقة فيها أيضاً، وتوالت غارات الأمم على البلاد، وما تلا هذا كله من الأحداث التي كانت نتائجها ضروباً شتى من الأحوال إلى عهد مؤسس الأسرة المالكة محمد علي باشا - رحمه الله - ".

تحدث الأستاذ في هذه الجمل بلسان يضاهي لسان من يجحد فضل الإسلام والعرب، فجعل الفتح الإسلامي غارة من غارات الأمم التي لم تبث في مصر شيئاً من الحياة، ولم تحدث فيها شيئاً من التجدد، وأشعة العلم والأدب والقوة التي ضربت في مصر بعد الفتح الإسلامي لا تعد في نظر الأستاذ من أثر الحياة ولا التجدد النافع في شيء.

فإذا كانت تلك الحياة السامية التي أفاضها الإسلام وأولياؤه على مصر قد يدركها في بعض الأحيان ضعف، فليس للأستاذ أن يطرحها من الحساب، ولا يزيد على أن يسميها غارة من غارات الأمم، أفلا يعلم أن للتاريخ عيناً باصرة، وأن حسابه على من يباهته غير يسير؟!

ذكر الأستاذ أن الجامعة المصرية لما تأسست لأول عهدها، وتخرج فيها بعض الشبان، تمثلت لهم الحاجة إلى التجديد بكل شدتها، فنادوا بوجوبه، وكتبوا في ذلك مقالات تفيض بالملاحظات الحقة، والنظرات الصادقة، وكان من رأيهم: الإسراع إلى تقمص العقلية الأوربية، والتأدي إلى ما أدت أهلها إليه في جميع ضروب المحاولات الأدبية والمادية. ثم ذكر ثورة بعض الشعوب


(١) "الأهرام" ٢٠ رمضان سنة ١٣٤٨ (١٩ فبراير سنة ١٩٣٠).