للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشرقية، وقال: "فكانت مثالاً حياً ماضياً في قطع أمة برمتها صلاتها بالتقاليد والموروثات القديمة، وفي اقتباس أصول المدنية الغربية على ما هي عليه بدون قيد ولا شرط ".

في مصر رجال لم يخرجوا في الجامعة، وقد تمثلت لهم الحاجة إلى التجديد بكل شدتها، ولكنهم ملكوا رشدهم، فلم ينادوا بتقليد أوربا في كل شيء، بل أخذوا يتأملون مظاهر أوربا الأدبية، ووسائل رقيها المادية، ويعرضونها على أصول الاجتماع ومقتضيات الحياة الماجدة، ويستعينون في نقدها بالتاريخ الذي دلّ على أن الأمم لا تخلو من نقائص، ولو بلغت من السطو والغلبة غاية قصوى، فكانوا موفقين في دعايتهم إلى التجديد النافع، مؤيدين في تقويم أولئك الذين يحاولون قطع الأمة عن كل ما له احترام في نفوسها.

وليست الثورة التي وصفها بمثال حي أو ميت في قطع أمة برمتها صلاتها بالتقاليد والموروثات القديمة، فإن الأمة التي يتحدث عنها مسلمة، ولها حرص على التمسك بتقاليد دينها، وفيها زعماء يدعون إلى التجديد النافع الذي نسميه بالإصلاح، أما قطع صلاتها بالتقاليد جملة، وإجراء أصول المدنية الغربية عليها بدون قيد ولا شرط، فإنما ينزع إليه منها، ومن الإساءة للتاريخ أن يعمد الكاتب إلى ما يأتيه بعض الأفراد من محظور، فينسبه إلى الأمة بأسرها.

تحدث الأستاذ بمقاله الثالث (١) عن حال حكومة نزعت إلى الانقطاع عن الشرق جملة، حتى قال: "فلما دخلت في دور الثورة التي لا تزال فيه


(١) "الأهرام" ٢٢ رمضان سنة ١٢٤٨ (٢١ فبراير سنة ١٩٣٠).