وما ذكره الأستاذ من عدم مقاومة رجال الدين في مصر لحركة التجديد أقل ما يقال فيه: إنه كلام غير مستبين، فإن كان الأستاذ يريد التجديد الخارج عن الكياسة، والذي هو شقيق الإباحية، فما قعد رجال الدين عن مقاومته، وما زالوا يكتبون ويخطبون في تفنيد آراء الفئة التي تدعو إلى تقليد أوربا فيما لا خير فيه، ولعل الأستاذ لم يتيسر له أن يقرأ في أيام عزلته أو سكوته إلا بعض الصحف أو المؤلفات التي تدعو إلى الإباحة أو الجحود، ولو كان يقرأ ما يكتبه أهل العلم في تقويم عوجها، وكشف الغطاء عن سوء سريرتها، لعرف أن العلماء يقاومون حركة التجديد الأرعن، وأقام لثورة المجددين على الدين في مصر من هذه المقاومة عذراً.
فإن أراد الأستاذ: أن رجال الدين في مصر لا يقاومون حركة التجديد الصالح- ولا أخاله يريد هذا -, قلنا له: إن رجال الدين في مقدمة الداعين إلى التجديد النافع؛ ففي مصر وغيرها من بلاد الإسلام رجال وصلوا في علم الدين إلى اللباب، وعرفوا ما تقتضيه المدنية من إصلاح، وماذا يجري في الشرق والغرب من أطوار، ولجهاد هؤلاء أثر في بعث الشرق من خموله يفوق كل أثر.
ولا يسع المقام لأن أسوق المشاهد على أن لعلماء الإسلام أكبر يد في نهضة الشرق، فاكتفي بأن أورد شاهداً من تلك الشواهد المفحمة، هو أثر من آثار المفتي بتونس الشيخ محمود قبادو (١) المتوفى سنة ١٢٨٨، فقد قام يدعو إلى الإصلاح ومجاراة أوربا في العلوم والفنون والصنائع في قصائد مختلفة، وأذكر من قصيدة له تلاها على الوزير خزندار الأبيات الآتية: