للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البشرية تجديداً رفعها عن المستوى، فشعر الناس بفارق جسيم بين ما انتهوا إليه في عهد الحياة الحرة، وتحت سلطان العلوم المادية، وبين ما كانوا عليه أيام خضوعهم لحفظة العقائد، فانتهز الإلحاد فرصة هذا الشعور الجديد، وازداد كليًا على مهاجمة الدين، واستهتر في مطامعه، فرمى إلى القضاء عليه القضاء الأخير".

عبّر الأستاذ بخروج الحكومات من سلطان رجال الدين، وهو يريد خروجها من سلطان الدين نفسه، وذكر أن عهد خروجها من سلطان الدين أرقى من عهد خضوعها له، وسمَّى الأول: عهد الحياة الحرة، والثاني: عهد الخضوع لحفظة العقائد.

والواقع أن في كل عصر من العصور الماضية طائفة يدرسون مع العلوم الدينية العلوم النظرية، والفنون الأدبية، وفي كل عصر علماء لا يغفلون في تقرير الأحكام الدينية عن المصالح الاجتماعية، فمن الإنصاف أن نقول: أشد الناس صداقة للعلوم والتجديد الصالح علماء الإسلام.

وشاهد هذا: أنه حين تيقظ بعض رجال الدولة الإسلامية لمقتضيات المدنية، وجدوا من الرجال الراسخين في العلم مساعدة على كل ما أرادوا القيام به من إصلاح، يعرف هذا من اطلع على تاريخ النهضة الإسلامية في مثل مصر وتونس، ولكن الذي يزعم أن علماء الدين كانوا عقبة في سبيل الرقي، إما أنه ينظر إلى بعض من ينتمون إلى الدين وهم لا يفقهون من روحه شيئاً، فيرسل حكمه على علماء الدين مطلقاً، وإما أن يعد إنكارهم للفسوق والخلاعة والطعن في الدين معارضة للحرية، ووقوفاً في سبيل التجديد، وهم لم يريدوا إلا حماية الفضيلة، وسد ذرائع الفساد.