لما تقتضيه السياسة من تأليف رؤساء الأقوام للإسلام، فقلت: هذه نظرة عجلى، وإخلاص عمر للشرع الحكيم، وحرصه على تقرير الأمن في البلاد، هما اللذان أمليا عليه أن يحكم بما حكم، وأن يعزم على تنفيذ حكمه لو بقي جبلة تحت سطوته، وماذا يكون موقف عمر لو هدم قاعدة المساواة في هذه القضية، وكسر قلوب الضعفاء، وأيأسهم من أن يجدوا في عدله ناصراً على الأقوياء؟!.
وكذلك كانت سيرة القضاة العادلين؛ فقد حكم أبو يوسف ليهودي في قضية رفعها على الخليفة هارون الرشيد، وحكم ابن بشير قاضي قرطبة لتاجر خامل في قضية رفعها على الخليفة عبد الرحمن الناصر.
وأما المساواة في التنفيذ، فقد عني الإسلام برعايتها، ودلَّ على أن التعامي عنها من أسباب سقوط الأمم وهلاكها، ويكفي شاهداً على هذا قوله - عليه الصلاة والسلام - كما روي في الصحيح:"فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف، تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها"(١).
والواقع أن عدم المساواة في التنفيذ جناية على التشريع والقضاء؛ حيث يجعلهما عملاً بلا ثمر، وحبراً على ورق، وماذا ينفع تشريع أو قضاء لا نفاذ له؟.
قال عمر بن الخطاب في رسالة القضاء:"وإذا تبين لك الحق، فأنفذ؛ فإنه لاينفع تكلم بحق لا نفاذ له".