مناقشات واهية، وإنما يندفع إلى الخوض في حقائق العلم، والغوص على أسراره، وإذا توجهت إلى نقد عبارة مؤلف، فإنما يمس الخلل الذي يشوه صورة المسألة التي هي موضع البحث.
هذا والأمل معقود على أن هذه المعاهد والمدارس، تُنبت لنا رجالاً تعظم هممهم، فيجمعون من العلوم ما يجعل الشرق بحراً زاخراً، ويسيرون في كل علم سيرة الباحث الذي يفتح فيه طرقا قيمة، ويجعل نتائجه في تجدد ونماء.
* عظم الهمة في النصح والإرشاد:
في سبيل الدفاع عن الحق، أو الدعوة إلى الإصلاح عقبة لا يقتحمها إلا ذوو الهمم الكبيرة؛ فإن في طوائف المبطلين أو المفسدين نفوساً طاغية، وأحلاماً طائشة، وألسنة مقذعة، وربما كانت فيهم أَيدٍ باطشة، وأرجلٌ في غير الخير ساعية.
فأنصار الحقيقة ينصبون أنفسهم أمام هذه الشرور كلها، وإنما تعظم هممهم على قدر ما يتوقعونه من فقد محبوب، أو لقاء مكروه، فالذي ينكر على الحكام خرقاً في السياسة، أو حيفاً في القضاء، يكون أعظم همة ممن لا يحمي الحقيقة إلا إذا عبثت بها أيدي الضعفاء، والذين لا يجدون ما ينفقون.
يتمثل لكم عظم الهمة في منذر بن سعيد قاضي قرطبة، حين قام في خطبة الجمعة ينكر على الخليفة عبد الرحمن الناصر إسرافه في الإنفاق على تشييد المباني وزخرفتها، وأخذ يلقي الخطبة في كلام جزل افتتحه بقوله تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: ١٢٨ - ١٣٠]، وسلك ذلك الكلام الجزل،