يجريان في الأخبار المستقبلة كما يجريان في الأخبار الماضية، وقد وصف الله تعالى إسماعيل - عليه السلام - بصدق الوعد؛ لوفائه بما يعد، فقال:{إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا}[مريم: ٥٤]، وإذا كان الوفاء بالوعد يجعله صادقاً، فإخلافه يجعله كاذباً لا محالة.
وقد اختلف أهل العلم - بعد هذا - في لزوم الوفاء بالعهد، فذهبت طائفة إلى أن من وعد شخصاً بإحسان، وجب عليه إنجاز ما وعد، وقضي عليه بأدائه، وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - ورجّحه أبو بكر بن العربي في "عارضة الأحوذي"، فقال:"والصحيح: لزوم الوعد، وخلفه كذب ونفاق".
وذهبت طائفة أخرى إلى أن الوفاء بالوعد من مكارم الأخلاق، وأن صاحبه يملك الرجوع عنه، وإذا بدا له أن يرجع، فليس للقاضي عليه من سبيل.
وذهب جماعة من فقهاء المالكية إلى تفصيل، وهو أن الوعد المطلق غير لازم، وأما الوعد المنوط بسبب، فإنه يصير بمنزلة الدَّيْن الذي لا مناص له من قضائه، ومثال هذا: أن تقول لشخص: تزوَّجْ وأنا أدفع المهر، فإذا تزوج، كان للحاكم أن يقضي عليك بدفع المهر قضاء نافذاً.
* صدق اللهجة وإخلاف الوعيد:
الوعيد: إخبار عما ستفعله من شر، فإخلافه يجعله كالوعد المخلَف قولاً كاذباً. والرجل الذي يوعِدُ آخر، ثم يضرب عنه عفواً، إنما يمدح من جهة أن مصلحة إخلاف الوعيد أرجح من مصلحة إنفاذه، ففضيلة العفو تغمر عيب الكذب، وتجعله في نظر الأخلاق شيئاً منسياً. ولتضاؤل نقص