ولا شك أنّ من يقرن الوعيد بنحو المشيئة، يحميه أن يجعل إخلافه كذباً، ولكن الوعيد شأنه أن يصدر في حال غضب لا يملك صاحبه النظر إلى العواقب، فهو لا يكاد يلفظ به إلا بعد عزم وتصميم.
* صدق اللهجة والمعاريض:
في هذه الحياة بلاء، وأشد بلالها ما يمنعك من أن تقضي حق فضيلة. فقد يلاقي الإنسان حالاً ترغمه على أن ينطق بما يكره، ويسلك في القول ما لم يألف. ولو وقف علم الأخلاق أمام هذه الأحوال المرغمة صلباً جامداً، لضاقت سبيله، ووجد بعض النفوس للخروج على أمره عذراً بينّاً، وقد وجدنا علم مكارم الأخلاق - الذي رفع الإسلام قواعده - فسيح الصدر بمقدار ما يسع مقتضيات الحياة الفاضلة.
فصدق اللهجة يعدّ من الفضائل؛ نظراً إلى ما هو شأنه من حفظ المصالح، ودرء المفاسد، ولو عُرضت على وجه الندرة حال يكون حديث الرجل فيها على نحو ما يعلم جالباً عليه أو على غيره ضرراً فاحشاً، لوجد في قانون الأخلاق مرونة تسمح له بأن يصوغ حديثه في أسلوب لا يجلب ضرراً.
فإذا وقع الإنسان في حال لا يليق معه التصريح بأمر واقع، ولم يكن بد من أن يقول في شأنه شيئاً، فهاهنا يفسح له - بمقتضى قانون الأخلاق الذي أتقن الإسلام صنعه - أن يأخذ بالمعاريض، وهي ألفاظ محتملة لمعنيين، يفهم السامع منها معنى، ويريد المتكلم منها معنى آخر، وإن شئت فقل: هي