قد يرى بعينه سبيلاً من سبل الخير في حاجة إلى مؤازرة، ولكنه لا يرى بجانبه لساناً أو قلماً شأنه إطراء المؤازرين، فيصرف عنه وجهه، وهو يستطيع أن يمد إليه يده، ويسد حاجته.
والإخلاص هو الذي يجعل في عزم الرجل متانة، ويربط على قلبه، فيمضي في عمله إلى أن يبلغ الغاية، وكثير من العقبات التي تقوم دون بعض المشروعات لا يساعدك على العمل لتذليلها إلا الإخلاص، ولولا الإخلاص يضعه الله في نفوس زاكيات؛ لحرم الناس من خيرات كثيرة تقف دونها عقبات.
قد يخلص الرجل في بعض الأعمال، ويتغلب عليه الهوى في بعض؛ فيأتي بالعمل صورة خالية من الإخلاص، والذي يرفع الشخص إلى أقصى درجات الفضل والمجد، إنما هو الإخلاص الذي يجعله الإنسان حليف سيرته، فلا يقدم على عمل إلا وهو مستمسك بعروته الوثقى. ولا كون مبالغاً إذا قلت: إن النفس التي تتحرر من رق الأهواء، ولا تسير إلا على ما يمليه عليها الإخلاص، هي النفس المطمئنة بالإيمان، المؤدبة بحكمة الدين ومواعظه الحسنة.
فالإخلاص الذي يقوم على الإيمان الصادق، والتهذيب الديني، هو الذي يسمو سلطانه على كل سلطان، ويبلغ أن يكون مبدأً راسخاً تصدر عنه الأعمال الصالحة بانتظام، وهو الذي يجد له صاحبه حلاوة، فيسهل عليه أن يكون أحد السبعة المشار إليهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "سَبعة يظلهم الله في ظِلّه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ" إلى أن قال: "ورجل تصدَّقَ بصدقةٍ، فأخْفاها حتى لا تعلم شِماله ما تنفق يمينُه".